تعريف الواقعية لغة واصطلاحًا

تعريف الواقعية لغة واصطلاحًا

الواقعية هي إحدى الاتجاهات الأدبية والفنية والفكرية التي تنطلق من محاولة تمثيل الواقع كما هو بدون تزييف أو تجميل، تعبر عن حياة الإنسان ومجتمعه بموضوعية وصدق، وتسعى إلى تقديم الصورة الحقيقية للطبيعة الإنسانية وظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ظهرت الواقعية كرد فعل على التيارات الرومانسية التي اتسمت بالمبالغة في العاطفة والتجريد من الواقع، وكانت بمثابة محاولة للعودة إلى الحقيقة الملموسة.

تعريف الواقعية لغةً

من الناحية اللغوية، كلمة “واقعية” مشتقة من جذر “واقع” الذي يعني الحال أو ما هو موجود فعلاً. و”الواقع” في اللغة هو الحال أو الأمر الذي يحدث بالفعل وليس ما هو متخيل أو وهمي. يُستخدم مصطلح “الواقعية” لوصف كل ما يتصل بالواقع، بمعنى أنه يخص الأمور الحقيقية وغير المزيفة، في مقابل الخيال أو التصور الذهني.

الواقع في اللغة يشير إلى الشيء الموجود في الخارج، سواء أكان مادياً أم معنوياً، والذي يمكن ملاحظته وتجربته مباشرة، وهو ما تعكسه الواقعية في مضمونها وفكرها.

تعريف الواقعية اصطلاحًا

في الاصطلاح، الواقعية هي توجه أو مدرسة فكرية وأدبية تسعى إلى تمثيل الحياة والواقع بصورة دقيقة وموضوعية، بعيدة عن التزييف أو المبالغة. وتتمثل الواقعية في تصوير الحياة الاجتماعية والنفسية للإنسان، بما في ذلك الظروف التي يعيش فيها، والمشاكل والتحديات التي يواجهها، من دون اللجوء إلى التجميل أو التهويل.

تتسم الواقعية باهتمامها بالعوامل الخارجية في تحديد سلوك الأفراد، فهي تركز على البيئة والمجتمع كعوامل مؤثرة في تكوين الشخصية وتصرفاتها، وتؤمن بأن الإنسان هو نتاج لعوامل متعددة تشمل الوراثة والبيئة والتاريخ.

ظهرت الواقعية بشكل واضح في القرن التاسع عشر كحركة فنية وأدبية وفلسفية، حيث اشتُهرت بمناهضتها للرومانسية التي كانت تميل إلى المثالية والغموض، وبدلاً من ذلك، استهدفت الواقعية تصوير الحياة اليومية وأحداثها بشفافية وتفصيل.

الواقعية في الأدب

في المجال الأدبي، تمثل الواقعية طريقة في الكتابة تعنى بوصف الحياة اليومية للناس العاديين، مع التركيز على التفاصيل الدقيقة والمشاهد الحياتية العادية. يسعى الكاتب الواقعي إلى تقديم شخصيات تُشعر القارئ بأنها حقيقية، لها مشاعر وأفكار وحياة معقدة تشبه الحياة الواقعية التي يعيشها الإنسان.

تتميز الروايات والقصص الواقعية بالتركيز على الطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، وتسليط الضوء على الصراعات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر في مصير الأفراد، بالإضافة إلى التركيز على البيئة الاجتماعية والثقافية وتأثيراتها.

الواقعية في الفلسفة

في الفلسفة، تشير الواقعية إلى موقف فلسفي يؤكد وجود الأشياء المستقلة عن وعي الإنسان، بمعنى أن الواقع موجود بالفعل بغض النظر عن إدراكنا له أو لا. هناك فرق بين الواقعية الميتافيزيقية التي تقول بوجود العالم الخارجي بشكل مستقل، وبين الواقعية المعرفية التي تؤمن بإمكانية معرفة الواقع بشكله الحقيقي.

تاريخيًا، كانت الواقعية تمثل موقفًا مضادًا للآراء المثالية التي ترى أن الواقع هو مجرد فكرة أو بناء عقلي. يعتقد الواقعيون أن الحقيقة موضوعية ومتصلة بالواقع المادي.

الواقعية في الفن

على مستوى الفن التشكيلي، تعبر الواقعية عن مدرسة فنية تركز على تصوير الحياة بشكل دقيق وموضوعي، مع الاهتمام بالتفاصيل الحياتية اليومية والمناظر الطبيعية والأشخاص كما هم. رفض الفنانون الواقعيون الأساليب المثالية أو الكلاسيكية التي تميل إلى التجميل والتصنع، وبدلاً من ذلك سعوا إلى تقديم الأعمال الفنية التي تعكس الواقع الاجتماعي بكل جوانبه.

تتميز اللوحات الواقعية بدقتها في التفاصيل، واستخدام الألوان الواقعية، مع التركيز على التعبير عن الحياة اليومية والظروف المعيشية الحقيقية، دون تجميل أو تعظيم.

جذور الواقعية وأسباب ظهورها

يعود ظهور الواقعية كرد فعل على عدد من العوامل الاجتماعية والفكرية التي شهدها القرن التاسع عشر، أبرزها:

1. التحولات الاقتصادية والاجتماعية: شهدت أوروبا في تلك الفترة الثورة الصناعية التي أدت إلى تغيرات جذرية في نمط الحياة والعمل، وتغير بنية المجتمع وظهور طبقات جديدة مثل الطبقة العاملة والبرجوازية. هذه التحولات دفعت الأدباء والفنانين إلى توثيق هذه التغيرات والتعبير عن واقع الناس.

2. الرفض للرومانسية: كانت الرومانسية تميل إلى المثالية، والخروج عن الواقع، وإعطاء الأولوية للعاطفة والخيال. مع تقدم العصر، بدأت الحاجة إلى تناول الواقع بواقعية ومنطقية أكثر، ما أفرز الاتجاه الواقعي.

3. تطور العلوم الاجتماعية والطبيعية: ازدهار العلوم في القرن التاسع عشر، وخاصة علم الاجتماع، علم النفس، والاقتصاد، دفع إلى الاهتمام بدراسة الواقع البشري بشكل علمي ومنهجي، وهو ما انعكس في الأدب والفن الواقعي.

4. الرغبة في الإصلاح الاجتماعي: كثير من الأدباء الواقعيين كانوا يؤمنون بأن كشف مشاكل المجتمع ومعاناة الفئات المهمشة يمكن أن يؤدي إلى تحفيز التغيير والإصلاح.

خصائص الواقعية

تتميز الواقعية بمجموعة من السمات التي تميزها عن غيرها من الاتجاهات، أهمها:

• التركيز على الواقع الملموس: إظهار الحياة كما هي دون تجميل أو تهويل، مع الاهتمام بالتفاصيل اليومية.

• الشخصيات الحقيقية: تصوير شخصيات متناسقة مع بيئتها الاجتماعية والثقافية، تحمل مشاعر وأفكارًا منطقية وحقيقية.

• البعد الاجتماعي: تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، مثل الفقر، الطبقية، الظلم، والعمل.

• اللغة البسيطة: استخدام لغة واضحة وواقعية، بعيدة عن التعقيد والمجاز، لكي تصل الفكرة بوضوح للقارئ.

• الموضوعية: الابتعاد عن التحيز أو الانحياز العاطفي، والنظر إلى الأشياء بموضوعية.

• الاهتمام بالبيئة: اعتقاد أن البيئة المحيطة تؤثر بشكل كبير في تكوين الشخصية وسلوكها.

الواقعية مقابل الرومانسية

تكمن الفروق الأساسية بين الواقعية والرومانسية في النهج الذي يتبناه كل منهما تجاه الواقع والحياة. فالرومانسية تميل إلى التعبير عن الأحاسيس العميقة والخيال، وتغليب الجانب المثالي على الجانب الواقعي، بينما تركز الواقعية على وصف الحياة اليومية والمشاكل الحقيقية التي تواجه الإنسان.

الرومانسية تركز على الفردانية والانفعالات، وتميل إلى التمرد على القواعد، في حين تسعى الواقعية إلى تقديم صورة علمية دقيقة وتحليل موضوعي للواقع.

الواقعية في الأدب العربي

دخلت الواقعية إلى الأدب العربي في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، متأثرة بالحركات الأدبية الأوروبية. حاول الأدباء العرب من خلالها تسليط الضوء على قضايا مجتمعاتهم، مثل الفقر، الجهل، الاستعمار، والفساد، مع الاعتماد على تصوير مشاهد الحياة اليومية بشكل دقيق.

برز من رواد الواقعية في الأدب العربي نجيب محفوظ، الذي رسم في رواياته صورة حية للمجتمع المصري، خاصة في الثلاثية الشهيرة التي قدم فيها وصفًا واقعيًا للطبقات المختلفة والتغيرات الاجتماعية.

أنواع الواقعية

تتنوع الواقعية حسب المجال والزاوية التي تُتناول منها، فمنها:

• الواقعية الأدبية: التركيز على تصوير الحياة والإنسان كما هو، في الأدب والرواية.

• الواقعية الفنية: في الرسم والنحت، تصوير المشاهد اليومية بأدق تفاصيلها.

• الواقعية الفلسفية: التأكيد على وجود الواقع المستقل عن الإدراك البشري.

• الواقعية الاجتماعية: تحليل ودراسة الظواهر الاجتماعية والمشاكل الحياتية التي تواجه الناس.

جدول يوضح الفرق بين الواقعية والرومانسية

أهمية الواقعية في الأدب والفن

تتمثل أهمية الواقعية في قدرتها على خلق صورة دقيقة عن الحياة والمجتمع، ما يجعل القارئ أو المتلقي أكثر وعيًا بالظروف الحقيقية المحيطة به. كما تساعد الواقعية في توثيق التاريخ الاجتماعي وتقديم نقد بناء للمشكلات التي تواجه المجتمعات، مما يفتح المجال أمام التفكير في حلول عملية.

تؤمن الواقعية بأن الفن والأدب ليسا مجرد وسائل ترفيه، بل أدوات للتأمل والوعي الاجتماعي.

التطور التاريخي للواقعية

مرت الواقعية بمراحل تطور متدرجة، بدأت في منتصف القرن التاسع عشر، وامتدت إلى أشكال متعددة في القرن العشرين مثل الواقعية الجديدة والواقعية الاشتراكية، حيث انضمت الواقعية إلى قضايا الطبقة العاملة والمساواة والعدالة الاجتماعية بشكل أكثر وضوحًا.

في العصر الحديث، تتداخل الواقعية مع تيارات أخرى مثل الحداثة، لكن ما يميزها هو الاستمرار في الاهتمام بالواقع اليومي كموضوع محوري.

مصادر ومراجع

• الماجد، محمد عبد الله. “تاريخ الأدب العربي: من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث.” دار الفكر العربي، 2005.

• ملو، أحمد سعيد. “مدخل إلى علم الأدب: المدارس الأدبية.” دار الشروق، 2012.

• تورنج، م. “تاريخ الفن الحديث.” ترجمة جمال عبد الرحيم. دار النهضة العربية، 1998.

• جيروم، جون. “الفلسفة الواقعية.” مجلة الفلسفة العربية، العدد 34، 2010.

يمثل مفهوم الواقعية منطلقًا هامًا في دراسة الأدب والفن والفلسفة، حيث يعكس التزامًا حقيقيًا تجاه وصف الواقع كما هو، بما يحمل من أبعاد إنسانية واجتماعية واقتصادية. ينطلق من تأكيد وجود العالم المادي المستقل عن الإدراك، ويمثل حركة فكرية واجتماعية تكرس التفاعل بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها.